روائع مختارة | روضة الدعاة | تاريخ وحضارة | قتيبة بن مسلم الباهلي.. البطل الجريء

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > روضة الدعاة > تاريخ وحضارة > قتيبة بن مسلم الباهلي.. البطل الجريء


  قتيبة بن مسلم الباهلي.. البطل الجريء
     عدد مرات المشاهدة: 9242        عدد مرات الإرسال: 0

سنطالع اليوم سيرة بطل بما تحمله كلمة البطولة من معانٍ، فهو قائد من كبار القادة الذين سجلهم التاريخ، ومن أعظم الأبطال في التاريخ الإسلامي، قاد الفتوحات الإسلامية في بلاد آسيا الوسطى في القرن الأول الهجري.

فعلى يديه فتحت البلاد التي تسمى اليوم بالجمهوريات الإسلامية التي انفصلت عما كان يسمى بالاتحاد السوفييتي، وتوغل حتى حدود الصين، فهدى الله على يديه خلقًا لا يحصيهم إلا الله، هو القائد المجاهد قتيبة بن مسلم الباهلي.

مولده ونشأته:

ولد قتيبة بن مسلم سنة 48هـ ، بأرض العراق، في بيت إمرة وقيادة، فأبوه مسلم بن عمرو بن الحصين الباهلي كان مضرب المثل في الفتوة والبسالة، ولما ترعرع قتيبة تعلم العلم والفقه والقرآن، ثم تعلم الفروسية وفنون الحرب، ونشأ قتيبة على ظهور الخيل رفيقًا للسيف والرمح، محبًّا للفروسية، فظهر فيه النبوغ وهو شاب في مقتبل شبابه.

صفاته وأخلاقه:

قتيبة بن مسلم من الأبطال ذوي الحزم والدهاء والرأي، وكان ذا بأس وشدة، عالي الهمة جريء اللسان، وله رواية عن عمران بن حصين، وأبي سعيد الخدري، وقال عنه ابن كثير في كتابه "البداية والنهاية":

"إنه ما انكسرت له راية، وكان من المجاهدين في سبيل الله واجتمع له من العسكر ما لم يجتمع لغيره، ويذكر أيضًا ابن كثير أن قتيبة: من سادات الأمراء وخيارهم، وكان من القادة النجباء الكبراء، وذوي الحروب والفتوحات، والآراء الحميدة"، وكان لا يبغي بجهاده سوى نصرة الدين ولا يريد من الدنيا شيئًا.

ومن القصص التي أوردها ابن الأثير في كتابه "الكامل في التاريخ" وتدل على إيمانه بالله وتوكله عليه، عندما فتح قتيبة بن مسلم مدينة سمرقند، اشترط على أهلها شرطين أما الأول: فهو أن يبني في المدينة مسجدًا لله ويضع فيه منبرًا، ويصلي فيه ويخطب على المنبر، أما الشرط الثاني وهو أن يحطم أصنام المدينة وأوثانها، وبالفعل نفذ الشرطان.

فلما أخذ الأصنام ألقيت بعضها فوق بعض حتى صارت مثل الجبل الكبير ثم أمر بإحراقها، فتصارخ أهل المدينة وبكوا، وقال الكفار: "إن فيها أصنامًا قديمة من أحرقها هلك"، وجاء ملك المدينة واسمه "غورك"، وقال لقتيبة: "إني لك ناصح لا تحرقها فيصيبك الأذى"، فقال قتيبة: "أنا أحرقها بيدي فكيدوني جميعًا ثم لا تنظرون"، ثم قام إليها وهو يكبر الله عز وجل وألقى فيها النار فاحترقت كلها.

وأورد الدكتور محمد علي الصلابي بعض أقوال قتيبة المأثورة في كتابه الدولة الأموية عوامل الازدهار وتداعيات الانهيار: ملاك الأمر في السلطان: الشدة على المذنب، واللين للمحسن، وكان يقول: الخطأ مع الجماعة خير من الصواب مع الفُرقة، وإن كانت الجماعة لا تخطئ والفرقة لا تصيب.

فتوحات قتيبة بن مسلم:

اشترك قتيبة في الحملات على الجبهة الشرقية للدولة الإسلامية منذ شبابه المبكر، وأبدى شجاعة فائقة وموهبة قيادية فذة، لفتت إليه الأنظار خاصة من القائد العظيم المُهلب بن أبي صفرة، فأوصى به للحجاج بن يوسف الثقفي.

بدأت رحلة هذا القائد الفذ منذ 86 هـ ، وقد رأى الحجاج أن يدفع بدماء شابة جديدة في قيادة المجاهدين في خراسان، فلم يجد أفضل من قتيبة بن مسلم لهذه المهمة، وقد وليها عشر سنين، وضع خلالها مراحل لفتوحاته كان لكل مرحلة هدف ووجهة محددة.

ثم يوجه كل قوته للوصول إلى هدفه، ففي المرحلة الأولى قام فيها قتيبة سنة 86هـ بحملته على طخارستان السفلى فاستعادها وثبت أقدام المسلمين، وطخارستان السفلى هي الآن جزء من أفغانستان وباكستان.

وفي المرحلة الثانية قاد فيها حملته الكبرى على بخارى فيما بين سنتي 87- 90هـ وخلالها أتم فتح بخارى وما حولها من القرى والحصون، وكانت أهم مدن بلاد ما وراء النهر وأكثفها سكانًا وأمنعها حصونًا.

وفي المرحلة الثالثة والتي استمرت فيما بين سنة 91: 93هـ ، تمكن قتيبة من نشر الإسلام وتثبيته في وادي نهر جيحون كله، وأتم فتح إقليم سجستان في إيران الآن، وإقليم خوارزم، ووصلت فتوحاته إلى مدينة سمرقند في قلب آسيا وضمها إلى دولة الإسلام نهائيًّا.

أما المرحلة الرابعة فامتدت من سنة 94: 96هـ ، وفيها أتم قتيبة فتح حوض نهر سيحون بما فيه من مدن، ثم دخل أرض الصين وأوغل فيها ووصل مدينة كاشغر الصينية وجعلها قاعدة إسلامية، وكان هذا آخر ما وصلت إليه جيوش الإسلام في آسيا شرقًا، ولم يصل أحد من المسلمين أبعد من ذلك قط.

ونستطيع أن نقول إن القائد قتيبة بن مسلم هو صاحب الفضل الأول بعد الله عز وجل في إدخال الأتراك في بلاد ما وراء النهر في الإسلام، فقد سحرت شخصيته العسكرية الأتراك فدخلوا في دين الله أفواجًا حبًّا في بطولات وشجاعة هذا البطل الجسور الذي رأى فيه الأتراك الرمز الحقيقي للفضيلة والشجاعة والرجولة، ومعاني الإسلام النقية المتجسدة في شخصه.

وفاته:

كان قتيبة بن مسلم كما ذكر من قادة الحجاج بن يوسف الثقفي، فقد كان يعلم مقدار كراهية سليمان بن عبد الملك للحجاج، فلما ولي الخلافة خشي قتيبة من انتقامه؛ لأنه وقف إلى جانب الوليد بن عبد الملك حين أراد أن يخلع أخاه سليمان من ولاية العهد ويجعلها لابنه؛ ولذلك عزم قتيبة على الخروج على سليمان بن عبد الملك.

فجمع جموعًا لذلك من رجاله وأهل بيته، لكن حركته فشلت وانتهت بقتله سنة 96هـ / 715م على يد أحد العبيد في بلد اسمها فرغانة سنة 96هـ ، ويرى ابن كثير في ذلك زلة كان فيها حتفه ومقتله، حيث فارق الجماعة.

- - - - - - - -

* مدير عام البحث العلمي برئاسة قطاع الآثار الإسلامية


الكاتب: د. عماد عجوة

المصدر: موقع الإخوان المسلمون